ذكرى نصر أكتوبر 1973.. يوم استعاد المصريون الكرامة

جرح الهزيمة وبداية الأمل
لم تكن هزيمة يونيو 1967 مجرد خسارة عسكرية، بل كانت جرحاً غائراً في قلب الأمة المصرية والعربية. فقدت مصر سيناء، واحتلت إسرائيل أراضي عربية واسعة، وعمّ الإحباط النفوس. لكن إرادة المصريين لم تنكسر، فبدأت سنوات حرب الاستنزاف، ثم مرحلة الإعداد والتدريب، حتى جاء اليوم الذي تحوّل فيه الحلم إلى حقيقة.
ساعة الصفر.. السادس من أكتوبر
في الثانية من ظهر السادس من أكتوبر 1973، الموافق العاشر من رمضان، أطلقت مصر ساعة الصفر. أقلعت 220 طائرة حربية مصرية لتدك مواقع العدو شرق القناة، محققة إصابة 95% من أهدافها. وفي لحظات، انهارت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر". عبرت قوات المشاة قناة السويس، واقتحمت تحصينات خط بارليف، الذي قيل إنه "أقوى منيع لا يمكن هدمه". وفي الجبهة السورية، شنت الطائرات السورية هجوماً كاسحاً على الجولان، لتتسع جبهة النيران ضد إسرائيل.
ملحمة العبور والتحام الشعب
كان العبور المصري ملحمة بطولية بكل المقاييس. أكثر من خمسة فرق مشاة تدفقت نحو الضفة الشرقية للقناة، مدعومة بآلاف الدبابات. وعلى الجانب الشعبي، قدّم المصريون أروع صور التضحية، فالمصانع كانت تعمل ليل نهار لدعم الجبهة، والأمهات يقدمن أبناءهن شهداء فداءً للوطن.
معارك دامية وثغرة الدفرسوار
واصل الجيش المصري تقدمه، ودارت معارك كبرى مثل معركة الفردان وبورسعيد. لكن في 15 أكتوبر وقعت ثغرة الدفرسوار حين تمكنت القوات الإسرائيلية بمساعدة أمريكية واسعة من التسلل غرب القناة. خاضت قواتنا معارك عنيفة لسد الثغرة، ودخلت السويس والإسماعيلية في مواجهة مباشرة مع العدو.
السويس.. مدينة الصمود
حين حاولت إسرائيل اقتحام مدينة السويس في 24 أكتوبر، وقفت المقاومة الشعبية جنباً إلى جنب مع الجيش والشرطة، لتكتب واحدة من أعظم صفحات البطولة. أجبروا العدو على الانسحاب بعد تكبيده خسائر فادحة، لتظل السويس حتى اليوم رمزاً للصمود والتحدي.
النصر العسكري وبداية استرداد الأرض
انتهت الحرب بوقف إطلاق النار في 24 أكتوبر 1973، لكن النصر العسكري فتح الطريق أمام النصر السياسي. فُض الاشتباك، وانسحبت إسرائيل من غرب القناة، وتوالت المفاوضات حتى عاد آخر شبر من سيناء عام 1989 بعودة طابا، ليكتمل الانتصار.
أبطال وشهداء
تزخر حرب أكتوبر بأسماء خالدة:
-
إبراهيم الرفاعي قائد المجموعة 39 قتال.
-
اللواء أحمد حمدي، شهيد القناة.
-
العريف سيد زكريا خليل، الذي أطلق عليه لقب أسد سيناء.
-
اللواء شفيق متري سدراك، وغيرهم آلاف الشهداء الذين ارتقوا دفاعاً عن تراب الوطن.
سعد الدين الشاذلي.. مهندس العبور
يظل الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان القوات المسلحة حينها، أحد أبرز عقول النصر، إذ وضع الخطة المحكمة للعبور، وأعد الجنود نفسياً وعسكرياً لمواجهة العدو، لتظل بصمته شاهدة على عبقرية التخطيط المصري.
العرب وسلاح النفط
لم يكن النصر مصرياً فقط، بل عربياً أيضاً. فقد شاركت دول مثل العراق والجزائر والأردن والسعودية والإمارات والمغرب، كل بما استطاعت. كما استخدمت الدول العربية بقيادة السعودية سلاح النفط لأول مرة كسلاح ضغط على الغرب لدعم الموقف العربي.
ذكرى خالدة
اليوم وبعد مرور عقود، يظل السادس من أكتوبر يوماً محفوراً في ذاكرة المصريين والعرب. يوم أثبت فيه الجندي المصري أنه فخر الأمة، وأن الكرامة تُستعاد بالدماء والتضحيات. هو يوم تاريخي يذكّرنا أن مصر قادرة دائماً على النهوض مهما اشتدت التحديات.