قضية ”طفل العسلية” بالمحلة.. بين تعاطف الشارع واستغلال الطفولة المسكوت عنه

في ظل الضجيج الإعلامي والتعاطف الشعبي علي مواقع التواصل الأجتماعي الذي أحاط بما عُرف إعلاميًا بـ"قضية طفل العسلية بالمحلة" هناك جوانب خفية لم تُناقش بالشكل الكافي، تتعلّق بمسؤولية الأسرة، واستغلال القُصّر في مشاهد متكررة باتت تنذر بمأساة تربوية واجتماعية.
أين أسرة الطفل؟ ولماذا تُرك قاصر في الشارع ليواجه مصيره؟
القصة التي أثارت جدلاً واسعًا تمحورت حول طفل صغير شوهد في مقطع فيديو وهو يشتبك مع شخص يُقال إنه "مهندس"، قيل إنه اعتدى عليه لفظيًا وجسديًا بسبب قيام الطفل ببيع العسلية في الشارع، ليجد الرجل نفسه في قفص الاتهام وسط حملة استنكار وغضب، دون أن يسأل أحد: أين أسرة الطفل؟ ولماذا تُرك قاصر في الشارع ليواجه مصيره؟
ترك القاصر في الشارع.. مخالفة قانونية تستدعي المساءلة
القانون المصري ينص بوضوح على أن ترك طفل دون رقابة أو إشراف يعرض وليّ أمره للمساءلة الجنائية، فما بالك حين يتم دفعه إلى الشارع للعمل في ظروف قاسية وهو في سن لا تسمح له بالتمييز بين الصواب والخطر؟
صوت الدولة ومعاقبة أسرة الطفل
في هذه القضية، غاب تمامًا صوت الدولة عن محاسبة الأسرة التي سمحت للطفل بالخروج و"التسول المقنّع" عبر بيع العسلية، وبدلًا من التحقيق في استغلال طفل في ظروف غير إنسانية، تحوّلت الواقعة إلى معركة رأي عام ضد الرجل البالغ فقط والذي قد يكون رافض لعمل الطفل بالتسول المقنع والذي تستغله اسرة الطفل .
بين الحقيقة والتلاعب.. هل تكرر "سيناريو نور الشريف"؟
ما حدث يعيد إلى الأذهان مشهدًا شهيرًا في أحد أفلام الراحل نور الشريف، حيث كان يؤدي دور رجل يُلقي بنفسه أمام السيارات لابتزاز أصحابها بادعاء الإصابة، والحصول على تعويضات مالية. فهل نحن أمام سيناريو مشابه لكن باستخدام الأطفال كورقة ضغط عاطفي؟
وسيلة للكسب غير المشروع
ليس من المستبعد أن يكون بعض ضعاف النفوس قد استغلوا مشاعر الناس وتعاطفهم مع الأطفال لجعلهم وسيلة للكسب غير المشروع، خاصة في ظل انتشار ظاهرة التسول المقنّع والاتجار في القُصّر تحت غطاء "البحث عن لقمة العيش".
أين دور الدولة والمجتمع؟
غياب المساءلة القانونية للأسرة يفتح الباب أمام تكرار مثل هذه الحوادث، ويترك الأطفال عرضة للاستغلال والضياع، في وقت يجب فيه أن تتحرك المجالس القومية للطفولة والأمومة ووزارة التضامن الاجتماعي والنيابة العامة لفتح تحقيق شامل:
-
من سمح لهذا الطفل بالنزول إلى الشارع وأين المجلس القومي للطفولة لماذا يغيب عن هذه الواقعه ؟
-
أين التعليم؟ وأين الحماية الاجتماعية؟
-
ومن يحاسب من يستغل القُصّر لخلق ضجيج إعلامي يقلب الحقائق ويبرّئ المتسبب الحقيقي في المأساة؟
إعادة الأمور إلى نصابها
في قضايا كهذه، لا يجب أن يكون الحكم فيها بناءً على لقطة من فيديو أو صرخة عاطفية على مواقع التواصل. نحن أمام أزمة مركّبة: قاصر تُرك في الشارع، بالغ تعامل معه بشكل خاطئ، ومجتمع انحاز للمشهد لا للمضمون.
المطلوب الآن هو إعادة صياغة تعاملنا مع مثل هذه القضايا، بأن نواجه الحقيقة كاملة لا نصفها فقط، وأن تكون المساءلة شاملة لكل من قصّر أو استغل أو اعتدى، سواءً كان وليّ أمر، أو مواطنًا، أو حتى إعلاميًا يضلل الجمهور.