«بدأت بمحاولة إجهاض وانتهت بمأساة».. رحلة الطفلة ”جنا” من رحم أمها إلى الموت على يد أبيها في الشرقية
لم تكن نهى جميل، السيدة البسيطة من قرية البقلي التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، تعلم أن قرارها بالزواج للمرة الثانية سيقودها إلى فاجعة تهز القلوب.
بعد طلاقها من زوجها الأول وإنجابها ولدين انتقلا للعيش مع والدهما، رضخت نهى لضغوط عائلتها بالزواج مجددًا، على أمل أن تبدأ حياة جديدة مع رجل مطلق يُدعى عبد الهادي، وله خمسة أبناء. لكنها لم تعلم أن هذا الزواج سيحمل لها الشقاء بدل الأمان، وأن الرجل الذي اختارته سيكون سببًا في فقدان أعز ما تملك — ابنتها الوحيدة "جنا".
شرط غريب وبداية العنف
منذ الأيام الأولى، وضع الزوج شرطًا قاسيًا: "ما تولديش تاني، مش محتاج أولاد".
لكن قلب الأم لم يرضخ، وحين حملت بـ"جنا"، تبدّل الزوج إلى وحش، يحاول بكل الطرق التخلص من الجنين.
تروي نهى، وهي تمسك بصورتها الباهتة لابنتها الصغيرة: "من 12 سنة، لما كنت حامل في جنا، حاول يجهضني ويقتلها وهي في بطني… لكن ربنا كتب لها تعيش".
ولدت "جنا" رغم العنف والتهديد، لتصبح نور حياة والدتها وسبب صبرها على قسوة الأيام.
حياة بين العنف والفقر
لم تعرف الأسرة الهدوء يومًا، فالعنف لم يتوقف بعد الولادة. كانت الخلافات تتصاعد حتى اضطرت الأم إلى ترك بيت الزوجية والعودة إلى منزل والدتها المريضة، تعمل في الحقول لتؤمّن لقمة العيش لها ولطفلتها.
ورفعت دعوى نفقة ضد الزوج، قضت المحكمة بإلزامه بدفع 500 جنيه شهريًا — مبلغ بالكاد يكفي، لكنه كان وسيلة لحقّ الطفلة في حياة كريمة.
الطفلة تكبر وتحلم بالأب
مرت السنوات، وكبرت "جنا" وسط غياب والدها. بدأت تسأل عن أبيها، متأثرة بكلمات زملائها في المدرسة الذين يتحدثون عن آبائهم.
لم تستطع نهى مقاومة دموع ابنتها، فقررت السماح لها برؤية والدها.
تقول الأم: "كانت فرحانة إنها هتشوفه… قالتلي يا ماما نفسي يكون ليا أب زي باقي البنات".
استقبلها الأب بوجهٍ يبدو طيبًا في البداية، وأوهم الأم بأنه تغيّر، بل طلب منها العودة إلى المنزل لرعاية ابنتهما. ظنت نهى أن القدر يمنحها فرصة ثانية، فوافقت على أمل أن تعيش "جنا" حياة أسرية طبيعية.
من الأمل إلى الجحيم
لكن العودة إلى المنزل كانت بداية الكارثة.
بمجرد أن دخلت نهى بيت الزوج، أجبرها على التنازل عن قضايا النفقة والمصاريف، وحين رفض بنك ناصر إسقاط المبالغ المستحقة دون سداد نصفها، اشتعل غضبه، وبدأ يُفرغ حقده في الطفلة البريئة.
بحسب رواية الأم، بدأ الأب رحلة تعذيب قاسية استمرت شهرين كاملين، شاركت فيها زوجته الثانية وأمها، حتى لفظت "جنا" أنفاسها الأخيرة تحت التعذيب.
تقول الأم بصوت يختنق بالبكاء: "كنت حاسة إنه هيأذيها… حاولت أبلغ وأرجعها، بس محدش سمعني، لحد ما جالي خبر موتها".
النهاية المأساوية
في يومٍ مشؤوم، تلقت نهى اتصالًا غيّر حياتها إلى الأبد: "جنا ماتت".
هرعت إلى المستشفى لتجد ابنتها جثة هامدة، جسدها الصغير يحمل آثارًا لا تُحتمل من الضرب والتعذيب. "الشرطة قالتلي إنها ماتت بعد تعذيب مستمر على إيد أبوها… حاول يقتلها وهي في بطني، وبعد 12 سنة نفّذ اللي بدأه".
تحرك أمني عاجل وضبط المتهمين
تم نقل جثمان الطفلة إلى مشرحة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة، وحررت الأجهزة الأمنية المحضر اللازم بالواقعة.
تكثف قوات الشرطة جهودها حاليًا لضبط الأب وزوجته الثانية الهاربين، تمهيدًا لإحالتهما إلى جهات التحقيق المختصة، فيما تواصل النيابة الاستماع إلى أقوال الشهود وجيران الأسرة لكشف تفاصيل ما جرى داخل جدران ذلك المنزل المظلم.
صرخة أم فقدت الأمل
تجلس نهى اليوم في ركنٍ هادئ من منزل والدتها، تحدّق في صور ابنتها وتردد: "كانت كل حياتي… كانت بتضحكلي وتقوللي يا ماما لما أكبر هجيبلك بيت كبير… دلوقتي خلاص، راح كل حاجة".
هكذا انتهت قصة الطفلة "جنا" — التي قاومت الموت في بطن أمها لتلقى حتفها على يد أبيها بعد 12 عامًا، في واحدة من أبشع جرائم العنف الأسري التي شهدتها محافظة الشرقية.















