جريمة فيصل.. القصة التي بدأت بكلمة ”بحبك” وانتهت بـ”خفت يفضحوني”
في صباحٍ رمادي من شتاء الجيزة، وقبل أن تشرق شمس يومٍ بدا عاديًا في شارع اللبيني بمنطقة فيصل، استيقظ الأهالي على مشهد لن يُمحى من الذاكرة: طفلان صغيران ممددان أمام مدخل عمارة، أحدهما مفارق للحياة، والآخر يلفظ أنفاسه الأخيرة.
لم يكن أحد يتخيّل أن هذا المشهد المأساوي هو الفصل الأخير في قصة حبٍ مسمومة، بدأت بين امرأة بسيطة ورجلٍ ظنّت أنه طوق نجاتها، قبل أن يتحول إلى قاتلٍ بدمٍ بارد، وضع حدًا لحياة أمٍ وأطفالها الثلاثة.
البداية: قصة عادية تتحوّل إلى مأساة
قبل ثلاثة أشهر من الجريمة، كان أحمد، رجل في الثامنة والثلاثين من عمره، يعيش حياة هادئة. يمتلك محلًا صغيرًا لبيع الأدوية البيطرية في منطقة الهرم، بعد انفصاله عن زوجته دون أن يُرزق بأبناء.
حياته كانت تسير بنمط روتيني لا جديد فيه، إلى أن ظهرت في طريقه "زيزي"، ربة منزل في الثانية والثلاثين من عمرها، وأم لثلاثة أطفال: جنى، سيف، ومصطفى.
كانت زيزي تعمل خادمة في بعض البيوت، وكانت تتردد على محل أحمد لشراء مستلزمات منزلية أو دوائية. ومع مرور الأيام، تحوّلت الأحاديث العادية بينهما إلى حديثٍ دائم عن مشاكلها الزوجية ومعاناتها مع زوجها حمادة.
بالتدريج، تعاطف أحمد مع قصتها، ثم وقع الاثنان في علاقة عاطفية، ظنّت فيها زيزي أنها بداية حياة جديدة، بينما كان هو يُخفي نواياه الحقيقية خلف وجهٍ هادئ وابتسامة خادعة.
قرار الرحيل.. واللحظة التي غيّرت كل شيء
بعد مشاجرة عنيفة مع زوجها، قررت زيزي ترك المنزل بصحبة أطفالها الثلاثة.
أحمد لم يتردد، فاستقبلها في شقةٍ استأجرها لها بمنطقة الهرم، ووعدها بالزواج بعد أن تُنهي إجراءات الطلاق.
لكن الوقت مرّ، والوعد لم يتحقق. كلما طالبت بالزواج، تهرّب أحمد من الكلام، وبدأت الخلافات تتصاعد بينهما. زيزي تمسّكت بحلم الزواج، أما أحمد فبدأ يفكر بطريقةٍ مظلمة للتخلّص منها.
السمّ في العصير.. بداية النهاية
في يومٍ هادئ ظاهريًا، قرر أحمد تنفيذ خطته.
فتح متجره البيطري، وأخذ منه مادة سامة تُستخدم عادة في قتل الحشرات والحيوانات.
وفي المساء، حضّر كوبًا من العصير، وضع فيه جرعة من السم، وقدّمه لزيزي داخل الشقة المستأجرة.
ما إن شربت الكوب حتى بدأت تشعر بآلامٍ حادة في معدتها ودوار شديد.
أسرع بها إلى مستشفى قصر العيني مدعيًا أنها زوجته، وقدّم بياناتٍ مزوّرة باسمٍ مستعار.
وبعد ساعاتٍ من الصراع، فارقت زيزي الحياة. تركها هناك، وغادر المستشفى وكأن شيئًا لم يكن.
لكن القاتل لم يعرف أن الجريمة الأولى لن تكون الأخيرة.
“خفت العيال يفضحوني”.. جريمة أشد قسوة
لم تمر ثلاثة أيام حتى بدأ أحمد يشعر بالخوف والذعر.
الأطفال الثلاثة الذين عاشوا معه ومع أمهم كانوا ينادونه “بابا”، وربما رأوا ما لا يجب أن يُرى.
في ذهنه، كان شبح الفضيحة يطارده، فقرر أن يُنهي كل شيء بيده.
أخذ الأطفال في نزهة صغيرة ليكسب ثقتهم، واشترى لهم عصائر، ثم وضع في الأكواب نفس السم الذي قتل والدتهم.
شرب جنى وسيف العصير، وسقطا في حالة إعياء شديد، بينما مصطفى، الصغير البالغ من العمر ست سنوات، رفض أن يشرب.
عندها، تحوّل أحمد إلى وحشٍ بلا رحمة.
أمسك بالصغير، وتوجه به إلى ترعة المنصورية بمنطقة الهرم، وهناك ألقى بجسده في المياه الباردة، تاركًا إياه يغرق حتى الموت.
انتُشل جثمان الطفل بعد ساعاتٍ على يد الأهالي، بينما عاد أحمد إلى فيصل وبصحبته الطفلان المسمومان.
المشهد المروّع في شارع اللبيني
استعان القاتل بعامل من محله وسائق “توك توك”، ونقل الطفلين جنى وسيف اللذين كانا في حالة احتضار.
وعند مدخل إحدى العمارات في شارع اللبيني بفيصل، تركهما ممددين على الأرض وفرّ هاربًا.
رصدت كاميرات المراقبة تحركاته لحظة بلحظة، وهو يبتعد بخطواتٍ ثابتة تاركًا ضحاياه خلفه.
مع بزوغ أول ضوء للصباح، كان أطفال الحي في طريقهم إلى مدارسهم حين شاهدوا جثتين صغيرتين أمام العمارة.
هرعوا إلى منازلهم فزعين، وأبلغوا ذويهم الذين بدورهم استدعوا الشرطة.
خيوط الجريمة تتكشف
انتقلت قوات الأمن إلى موقع الحادث، وبدأت في جمع الأدلة.
التحريات الأولى أشارت إلى وجود صلة بين الأم المتوفاة وصاحب محل أدوية بيطرية في منطقة الهرم.
وبمواجهة أحمد، انهار تمامًا واعترف بجريمته بتفاصيلها المروعة، قائلًا بهدوءٍ مريب: “خفت العيال يفضحوني.. كانوا بينادوا عليا يا بابا.”
اعترافٌ واحد أنهى الغموض، وكشف حجم الوحشية التي قادته إلى قتل أمٍ وأطفالها الثلاثة بلا رحمة.
أربع جنازات ووداع موجع
في اليوم التالي، عمّ الحزن قرى الجيزة والفيوم.
شيّع المئات من الأهالي جثامين زيزي وأطفالها الثلاثة في جنازة مهيبة سادها الصمت والدموع.
أربع نعوش خرجت من المسجد، في مشهدٍ لم يخلُ من الدعاء والذهول.
الأم التي حلمت بحياةٍ جديدة رحلت، ومعها أحلام ثلاثة أطفال لم يعرفوا من الدنيا سوى الخوف والموت.















